الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة «خفــافيـش الظّلام» وكــرة الغش والنّفــــاق والأوهــام!

نشر في  26 مارس 2014  (12:53)

تحوّلت أنظار عشاق المستديرة ليلة الأحد الماضي إلى العاصمة الإسبانية مدريد وبالتحديد إلى ملعب «سانتياغو برنابيو» الذي كان مسرحا لقمة العالم ولمباراة الموسم بين الفريق الملكي والفريق الكاتالوني، وقد أجمع المتابعون على أن موقعة الأحد كانت أجمل مقابلة في هذا الموسم في مختلف الدوريات والبطولات الأوروبية، وقد كان لقوة الفريقين ومن يضمّان في صفوفهما من لاعبين نجوم الأثر الكبير في جرعة المتعة المفرطة التي إستعذبها عشاق الكرة في كامل أرجاء المعمورة.
كانت مباراة استثنائية بكل المقاييس، شاهدنا فيها الأهداف والفنيات والإندفاع البدني والجمل التكتيكية والروح الإنتصارية، بل وشاهدنا أيضاً الإستفزازات التي تحصل بين اللاعبين والتي تعتبر طبيعية في مجملها، فهي نتيجة الضغط الكبير المسلط على اللاعبين في مثل تلك المواجهة وبالنظر إلى الرهان الكبير الموكول لهذه المباراة الحدث. إلى جانب كل ذلك شاهدنا أخطاء تحكيمية فادحة أفسدت الفرجة في بعض الأحيان ودمّرت ما قدمه اللاعبون من لوحات فنية فوق الميدان.
بعيدا عن كل ذلك لقد جاءت مبارة الكلاسيكو العالمي بين الريال والبارسا لتنسينا هموم كرتنا ومشاكلها.. جاءت لتبعدنا -ولو إلى حين- عن كرة العنف والفوضى والرداءة.. صحيح أن المقارنة لا تجوز بالنظر للفوارق والإمكانات وقيمة اللاعبين والمدربين والمسيرين، ولكن لسائل أن يتساءل: إذا كانت بطولتنا بلا قيمة -وهذا ما نعترف به ونقرّه- وإذا كان مستوى لاعبينا متواضعا هزيلا ومستوى مسيرينا لا يحسد عليه رغم بعض الإستثناءات حتى لا نضع الجميع في سلّة واحدة، إذا كنا نعترف بتخلّفنا الرياضي وتواضعنا، لماذا نسمح لأنفسنا بارتكاب كل الموبقات الرياضية؟ لماذا تتحول الملاعب فجأة إلى مسارح للعنف والفوضى بسبب نتيجة مباراة عابرة أو هفوة تحكيمية تقديرية؟ ماذا كان سيحصل للحكم «ألبيرتو أونديانو مايينكو» الذي أدار كلاسيكو «البرنابو» بين العملاقين لو أدار إحدى المباريات في الدوري التونسي وأعلن عن ضربتي جزاء للفريق الضيف؟
الثابت أن جميعنا يعرف الإجابة ويدرك أن ما يحصل في بطولتنا هو مهزلة تتكرر مع كل جولة لنشاهد شتّى أنواع التهديد والعنف والوعيد، بسبب سلوكات مشينة وتصرفات غير مسؤولة يأتيها أفراد لا يخافون القانون ولا يحترمونه، ويستعملون كل أدوات الترهيب من أجل انتصارات مغشوشة لا تغني ولا تسمن من جوع..
لا أخفي عنكم أنني ترددت كثيرا قبل كتابة هذه الأسطر وتمنيت ألاّ أتحدّث بعد اليوم عن الكرة التونسية بعد مشاهدة قمة الريال وبرشلونة، ولكن أقنعت نفسي بأن مثل هذه المباريات تكون فرصة للفت أنظار البعض إلى أن ما نشاهده أسبوعيا في ملاعبنا التي تصلح لكل شيء الا للعب كرة القدم، ليس له علاقة بالرياضة وبكرة القدم بالتحديد، وبالتالي علينا أن نخجل من أنفسنا على ممارساتنا وسلوكياتنا وتعاسة كرتنا.
إن ما يحصل من تصدّعات وأزمات يعود إلى افتقارنا لبرمجة واضحة وعلمية ولوجود خفافيش ترتع في الظلام ومدمرة للأحلام تقتل كل أمل للنهوض من جديد، وهو ما كتب على كرتنا أن تظّل حبيسة التخلّف وتخط يوميا صفحة جديدة في كتاب العذاب والإنحدار.
قد نمضي ساعات وساعات في تعداد الخروقات وحالات الوهن والتلاعب بالأعصاب في كرتنا وداخل العديد من الجامعات الرياضية، بخاصة منها تلك التي كنا نضرب بها المثل ، بحيث لم تعد توجد في مشهدنا الرياضي اليوم جامعة تخلو من التطاحن والصراعات إلا نادرا وهو ما يمكن تسميته بالإستثناء الذي لا تقوم عليه القاعدة.
فلماذا يحصل كل هذا؟ ومن الرقيب والحسيب عليه؟ وإلى متى يتواصل هذاالصمت؟ وهل يمكن أن ننتظر معجزة تخلصنا من وجع الرأس وتعطي للتونسيين من خلال النوادي والجامعات الرياضة التي يستحقونها، الرياضة التي تكون لهم مصدر فخر وسعادة، الرياضة التي تعيد لنا هيبتنا ووقارنا وموقعها الريادي عربيا وإفريقيا.
فوزارة التشغيل -مثلا- مطالبة بإيجاد مواطن الشغل للتخفيف من البطالة، ووزارة التربية مطالبة هي أيضا بمنح التونسيين المنظومة التربوية التي تساعدهم على كسب تحديات العصر الفكرية والتربوية، وبالتالي تصبح وزارة الشباب والرياضة وفي إطار المهام الموكولة إليها مطالبة بأن تُعطي للتونسيين الرياضة التي يستحقونها، الرياضة التي كانت على الدوام مصدر إعتزاز لهم ومصدر تلاحم وطني، وهي القادرة على أن تلعب العديد من الأدوار الهامة في المجتمع التونسي وخلق ديناميكية داخل النسيج المجتمعي. لأننا نحتاج اليوم إلى الدخول فعليا في العصر الجديد للرياضة، نحتاج إلى إستراتيجية متطابقة ومتوافق عليها تتوغل إلى أعماق الممارسة التي خلّفت لنا وللأسف الشديد عينتين، عينة أولى فرضت نظام التوارث في إدارة الجامعات وحتى الجمعيات ولا تبدي رغبة في الإذعان لطلبات محاربة الإحتكار والتمسك بالمناصب، وعينة ثانية جاءت بها المصالح الضيقة لسلطة التسيير والقرار بلا أدنى مرجعيات وأصبح إجتثاتها أمرا صعبا للغاية.
بقلم: عادل بوهلال